الخميس، 13 مارس 2008

معرض الرياض للكتاب والتضييق على الحرية

شتيوي الغيثي

في أي حراك فكري أو اجتماعي يسعى إلى التغيير فإن الحرية هي الضامن الأكبر إلى تحقيقه. ولما كان الوضع كذلك كان أملنا الأخير في الإبقاء على الحرية في معرض الكتاب، بحيث يكون نافذة النور لحرية الفكر. خاصة أنه ليس دائما بمعنى أنه مرة كل سنة ولمدة عشرة أيام فهل التضييق يزعجه عشرة أيام من الحرية الفكرية. حتى إن الكتب التي تباع في المعرض ليست مفسوحة إلا وقت المعرض مما يعني أنه يمنع بيعها في أوقات غير وقت المعرض فيما لو حاولت أي مكتبة أخرى الاستفادة من المعرض في شراء كميات كبيرة وبيعها فيما بعد وقت المعرض، وهذا ما تم بالفعل التحذير منه رسمياً في بداية افتتاح المعرض.لكن حتى هذه الأيام العشرة لحرية الكتاب صارت هذه السنة سجينة رؤى أخرى استطاعت أن تحجم من دور الفكر بمهاجمة القائمين عليها والقيام بالمناصحات الرسمية وغير الرسمية حتى سبق المعرض وبوقت كافٍ بيان لعدد من التقليديين يشجبون معرض الكتاب ويشجبون الاختلاط الذي حصل العام الماضي. هذا غير أن بعض من في مجلس الشورى قد طالب السنة الماضية بمحاكمة وزير الثقافة والإعلام على الانفتاح الفكري والاجتماعي في معرض الكتاب، وفي القنوات الفضائية باعتبار أن الكثير من المذيعات متبرجات والحقيقة أنهن بلا استثناء في كل قنواتنا الفضائية الرسمية كن محجبات الحجاب الشرعي دون الوجه، وهي مسألة خلافية معروفة يطول فيها الحديث؛ لكن يبدو أن الرؤية التقليدية يزعجها حتى هذا الحجاب الشرعي مما يعني أن هناك رؤى متشددة تشدداً مبالغاً فيه مهما ادعى أصحابها الوسطية، فمن لا يؤمن بالمسائل الفقهية الخلافية فهو في رأيي داخل في الرؤية المتطرفة، وهذا ما هو مشاهد في الكثير من الآراء التي يقول بها خطابنا الديني المحلي.كان معرض الكتاب في السنة الماضية أقرب إلى المظاهرة الفكرية أو الكرنفال الثقافي، لا على مستوى حرية عرض الكتب وعناوينها ولا على المستوى الاجتماعي فقد كانت الكتب المعروضة ترضي ذائقة رواد المعرض وتحترم عقولهم واختياراتهم الفكرية، مع مشاركة المرأة في الوقت نفسه ولم تسجل أي مشاكل كما هي دعاوى البعض خاصة إذا عرفنا أن جميع رواد المعرض هم من الفئة المثقفة أو الواعية نسبياً، لكن ذهنية الوصاية ما تزال هي الأكثر حضوراً في مثل هذه المواقف؛ لذلك فإنه من الطبيعي أن تجد من يناصحك لمجرد أنك اشتريت كتاباً أو كتابين لكاتب لا يرضاه هو في إيحاء ضمني غير مقبول على الإطلاق بأنك دون مستوى الفهم أو أنك في درجة من الغباء الذي يمكن لأي كاتب أن يغرر في عقلك.هذه السنة كان معرض الكتاب دون مستوى الطموحات بل كان دون مستوى الحرية الممنوحة له العام الماضي، وربما كان للهجوم العنيف الذي لحق القائمين عليها الأثر الكبير في تحجيم حرية الفكر، وهذه إشكالية أخرى فالانتكاسة عن خطوات الانفتاح تجعل من المهاجمين أكثر ثقة بقوتهم وتأثيرهم لذلك فإنها لن تتوقف عمليات الهجوم كما حصل في أول أيام المعرض على بعض الدور، حيث تم تحجيم الإعلام عن الحادثة فلم تتم تغطيتها لكنها نُقلت لي من قبل من شاهدها وكان قريباً من الحدث.من جهة أخرى كانت عملية الفصل بين الجنسين في المعرض خطوة متراجعة كثيراً عن العام الماضي حتى أثر ذلك على زيارة المعرض بالنسبة للرجال والنساء على السواء، إذ يضطر الواحد إلى الجلوس يوما أو يومين من غير أي فائدة تذكر خاصة من قبل من هم من خارج الرياض أو يقومون بالتحايل على النظام بحيث يدخل الواحد مع العائلات حتى لو لم يعرف منهم أحداً لكي يستثمر الوقت في شراء كتاب أو كتابين ثم يعود أدراجه إلى البلد الذي جاء منه. والبعض لم يستطع أن يعرف أماكن الكثير من الدور لضيق الوقت الممنوح له حتى إن بعض رواد المعرض لم يستطع أن يدخل إلا نصف يوم فقط عاد أدراجه خائباً هذا غير الفصل في الفعاليات الثقافية على رداءتها بين أماكن الرجال وأماكن النساء، فالعام الماضي كان الرجال إلى جانب النساء ويفصل بينهم فاصل جداري بحيث تستطيع المرأة الحاضرة مشاهدة المحاضرين من غير اللجوء إلى الدائرة المغلقة، أما هذه السنة فقد تم الفصل بجدار عازل كبير جعل النساء يجلسن في الخلف من الرجال، ويبث لهن الحدث من خلال الشاشات أو العرض التلفزيوني، كما أن رجال الحسبة كانوا بشراسة مخيفة هذه السنة في استقبال الحاضرين، وكأنهم في حالة استنفارية جهادية توحي بريبة كبيرة من قبلهم تجاه الحاضرين جميعاً من غير التفريق بين كبير وصغير أو بين جهة رسمية وأخرى غير رسمية.لقد نجح البعض في تحجيم الحريات على الناس وعلى أفكارهم وعلى عقولهم، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون معرض الكتاب هو المظاهرة الحقيقية التي تفاخر فيها وزارة الثقافة والإعلام كل سنة وتخطو من خلاله لتكريس الحرية وفتح الآفاق المعرفية حتى يكون نقطة بارزة في الثقافة المحلية تجعلنا في مصاف دولة صغيرة مجاورة تتجاوزنا بخطوات بعيدة المدى من الناحية الثقافية هي مملكة البحرين الشقيقة حيث يُتوقع أن تصل عناوين الكتب في معرضها القادم إلى أكثر من عشرة ملايين عنوان في حين أننا نفاخر بمئتي ألف عنوان فقط.
*كاتب سعودي
عن(الوطن) السعودية

ليست هناك تعليقات:


magic pharmacy