الأربعاء، 12 مارس 2008

د. أميرة الزهراني في كتابها (الذات في مواجهة العالم): الشباب اليمني الذي درس في الخارج وعاد يجد في استقباله في المطار الجنبية والقات والثارات القبيلة

الرياض - هيام المفلح


جمعت الدكتورة أميرة الزهراني أطروحتها للدكتوراه بين دفتي كتاب بعنوان (الذات في مواجهة العالم) وأصدرتها عن المركز العربي الثقافي 2007، بعد أن اشرف عليها كأطروحة الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية. ناقش الكتاب ضمن أربعة فصول تجليات فكرة الاستلاب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية من واقع سيكوسيسيولوجي (نفسي/ اجتماعي) ومرجعية فلسفية فلسفة العقد الاجتماعي، الهيجلية، الماركسية، الوجودية، (والتحليل النفسي الفرويدي)، وذلك من خلال أربعة عقود أخيرة من القرن الماضي، وجاءت فصول الكتاب بالعناوين التالية: "الاغتراب الذاتي، الاغتراب الاجتماعي، الاغتراب الثقافي، الاغتراب المكاني".

من يقرأ عن تفاصيل كل هذه الأنواع من الاغتراب، بأبعادها الشاسعة، لابد يتساءل: "لماذا هذا الاغتراب في قصص الجزيرة العربية ؟ وهل هو خيار أصحابها أم.. ؟

تقول د. أميرة الزهراني ملخصة النقاط العائمة في بوتقة واحدة:

ما كل هؤلاء أرادوا أن يكونوا كذلك، لا البرجوازي المزيف الذي تعاطى أقنعة كثيرة ليتقن التهريج في سيرك المدينة الكبير، من أجل الحصول على امتيازات وضيعة، هذا الذي غدا يشم رائحة حذائه من فرط التواطؤ. ولا معلم الأربعين المتعفن خمسة عشر عاما بين تلال الكراريس ووجوه التلاميذ الكريهة وانتقادات المدير والحرارة، حيث لذعة اكتشاف أن العمر كله لم يكن سوى سيجارة مطفأة لم تشتعل بعد، وزفرة صدئه تخرج من قلب متعب (أف.. أية حياة أكاد أتقيأ). لا الفاقد المغزى السائل دوماً (ما الذي يفعله الإنسان في مجتمع تصطف فيه الحقيقة مع العاهرات؟) المحاصر بالتفاهة العارف نفسه تماماً (أنا تافه.. أعيش حياة تافهة وسط أناس تافهين) كل شيء تافه، ذاك الذي تفوقه جدته الأميّة المسنة لأنها تعرف لها معنى للحياة (جدتي خير مني، هي على الأقل تؤمن بشيء.. ولكن أنا بماذا أؤمن ؟ الفراغ، الموت، الفشل.. هذا كل ما أعرفه في حياتي) ولا الغائب عن الوعي المتفضل بتقديم النصيحة (أيها الأًصدقاء كونوا مزيفين دائماً لكي تربحوا الحياة، ففي شرقنا المريض لا يربح الحياة إلا المزيفون)، ولا الشاب الخائب الباهت المانح لك فكرة يسيرة عن قصة الحياة (البداية والنهاية شيء واحد تقريباً، وأن الطريق بينهما صف طويل من براميل القمامة، وما عدا ذلك فلإزالة الرائحة فقط).

لا المواطن العربي الخائف المدان بدون دليل تتلقفه هيئات التحقيق والشرطة منذ انزلاقه بفظاعة من بطن أمه، ولا الزوجة التي تفصلها عن زوجها جدران متينة. لا المثقف التنويري الذي أراد التفوق على ذهنية القطيع (واهتماماتهم المحدودة بشراء الفول، والعيش، وفي الظهيرة يذبحون الخراف، ويسمعون الأخبار المثلجة، وفي الليل يبتاعون الملابس الداخلية ويتجشأون) فلم يرضَ أبداً بمخدر الخيارات الوسطى، والرضا بالمقسوم و في مجتمعه ملايين الأفواه الجائعة تتذرع به لنيل خبزها. ولا المثقفة الأنثى التي كان عليها أن تتقن دور الفتاة البلهاء الساذجة أمام الرجل، تحفظ النكت البذيئة، وتثرثر بصراع الخادمات، و تخطىء في نطق الكلمات ليصححها لها، وتسأله عن أشياء تعرف مسبقاً إجابتها، حتى تضمن بذلك (ظهر رجل) فلا يتم إقصاؤها، ويفوتها القطار.

ولا الشباب اليمني الطامح ذاك الذي درس في الخارج وعاد إلى وطنه مكتظاً بحلم التغيير فإذا به يجد في استقباله في المطار الجنبية والقات والثارات القبيلة والرشاوي والوسائط والمحسوبية، (فانهارت في أعماقهم قوة، وشعروا بسلاسل تقيد كل حياتهم) وبدوا مدهوشين بفظاعة الحال ( هل نحن في القرن العشرين؟) (ألهذا تعلمنا وسافرنا وحلمنا بالعالم الجديد وبأننا سنناضل ونبني؟) ( أحياناً وأنا أسير في شوارع تعز أو الحديدة أو صنعاء أتذكر أنني كنت يوماً في شوارع شيكاغو ولا أصدق). ولا الشاب الخليجي الذي درس في بريطانيا فتحول بعد عودته إلى الوطن من مهندس بترول إلى مسطول أبدي. ولا حتى القروي البدوي الوافد إلى المدينة المتلفعة بالأسمنت والغبار، حيث لا شيء سوى ساحة إعدام، وامرأة قابلة للاستباحة، وصناديق مهولة للقمامة، وعتمة باهرة مستقرة في قلب الأشياء رغم ملايين الاضاءات المنصوبة في الشوارع مثل رجل مصلوب. ولا العمّال الوافدون (قافلة العبيد الجدد في العالم) الذين ركبت سواعدهم لأقسى الأعمال، فأصابوا المقاولين بالتخمة، وأُنهكت أجسادهم ليشبع مقاول عصري أو رجل أعمال نظيف، أولئك الذين مضت بهم السنون في غياب عن الأشياء الجميلة، قدموا من بلاد تشتت أبناؤها في الخارج والداخل بأحلامهم الباهظة، إلى مدن ذكورية ممتنعة، لم يعرفوا من قبل أن الواقع هنا أقسى من شروط العقد، وأن هذا العالم مليء بالقمل الآدمي.

لا كل هؤلاء أرادوا أن يكونوا كذلك، لكن خطأهم الأكبر هو أنهم رأوا أكثر من اللازم، وفكروا أعمق من اللازم، بعد أن استيقظوا فجأة على الفوضى، ولم يجدوا سبباً يدفعهم إلى الاعتقاد بأن الفوضى إيجابية بالنسبة إلى الحياة.

عن(الرياض)

ليست هناك تعليقات:


magic pharmacy